قانون «جاستا» والابتزاز الأميركي للسعودية
عالم بوست / كتب ياسر الزعاترة - فضحت نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في مجلس
النواب أوباما، حين قالت إنه لم يضغط من أجل منع تصويت كونجرس ضد الفيتو الذي
اتخذه لمنع قانون «جاستا» لمحاكمة «رعاة الإرهاب».
والحال أن الأمر لم يكن بحاجة لكلام بيلوسي، ذلك أن الغالبية الساحقة من النواب والشيوخ الذين صوّتوا ضد «الفيتو» كانت كافية لكشف المستور، ويكفي ألا يصوّت سوى عضو واحد في «الشيوخ» ضده، وأقلية في النواب حتى ندرك أن أوباما لم يكن جادا في منعه.
أيا يكن الأمر، وحتى لو قيل إن للأمر صلة بالانتخابات، فإن الأمر ليس بحاجة إلى كثير تحليل كي ندرك عمق التحول في العلاقة الأميركية السعودية، لاسيَّما أننا نتحدث عن محاكمات تتعلق بقضية مضى عليها 15 عاما، أعني هجمات سبتمبر عام 2001.
يحلو للبعض أن «يرشّ على الموت سكرا»، كما يقول المثل، بالقول إن القانون لا يستهدف السعودية، ولم يذكرها، وإنه يتحدث عن «رعاة الإرهاب» في كل مكان، لكن واقع الحال أن المستهدف الأكبر من القانون هي السعودية، وبعدها إيران، وهنا تتبدى السخرية حين نتابع تلك الشماتة الإيرانية بالسعودية بعد إسقاط «فيتو» أوباما ضد القانون، ما يكشف حجم الجنون في النكاية مع السعودية.
يحار أتباع خامنئي في تفسير الموقف، فهم يصرخون ليل نهار بموال عمالة السعودية لأميركا، فكيف يصحّ أن يتم استهدافها بقانون من هذا النوع؟! تماما كما يحارون في تفسير تحليلاتهم فيما خصّ من يسمونهم «التكفيريين» الذي ينسبونهم لأميركا والصهيونية، بينما طائرات أميركا تطاردهم ليل نهار، فيما لا تمسّ أبداً أتباع «الولي الفقيه»؛ لا في سوريا ولا في اليمن، ولا في العراق!!
هناك بالطبع من يهوّنون من مستوى الخطر الذي يمثله القانون، وربما يستند ذلك إلى طول إجراءات التقاضي، وإلى أن الدولة السعودية بريئة من هجمات سبتمبر، وهو كلام يتجاهل أننا لا نتحدث عن دولة تتوخى العدل، بقدر ما نتحدث عن دولة طبعها الابتزاز، وها إن مسلسل الدعاوى قد بدأ سريعا بعد إقرار القانون، ولن يمضي وقت طويل حتى تصدر الأحكام.
لا قيمة هنا أيضا للقول إن القانون يضر بمصالح الولايات المتحدة من حيث إمكانية محاكمة مواطنيها في الخارج، لأن حدوث ذلك لن يعني تطبيقا للأحكام، فيما يمكنها عبر سيطرتها على النظام المالي الدولي أن تتخذ إجراءات بحق أي بنك أو مستثمر، وتطبقها بالفعل، ويعلم الجميع حجم من تضرروا من ملاحقات ما بعد هجمات سبتمبر، بل إن بعضهم لم تنفعه البراءة التالية في جبر الأضرار الرهيبة التي تعرض لها.
إننا نتحدث عن إمبريالية متغطرسة، ومن يمكنه فرض عقوبات اقتصادية على دول بحجم روسيا والصين، لن يكون من الصعب عليه اتخاذ إجراءات بحق دولة مثل السعودية.
لسنا في وارد تقديم المواعظ حول ما ينبغي أن تفعله السعودية؛ هي وعموم مواطنيها الذين يملكون أموالا واستثمارات في أميركا، مع أن الخطر يتجاوز ذلك (الاتفاق مع الصين على التبادل باليوان مقابل الدولار خطوة مهمة جدا)، لكننا نشير إلى أن ما جرى يؤكد أن المشهد الدولي يتغير، وأن النظريات التقليدية في تفسير السياسة لم تعد تنفع، وها إن أميركا اليوم تبدو أقرب لإيران منها للسعودية.
هي فوضى لا تطبع الشرق الأوسط وحده، بل المشهد الدولي، لكن المؤكد أن العقل يفرض على إيران أن تأتي إلى كلمة سواء مع العرب وتركيا من أجل لملمة هذا الحريق وتخفيف أضرار الجميع، وهي في مقدمتهم، فهذا هو الرد الأمثل على الغطرسة الأميركية، وقبل ذلك وقف النزيف المدمّر.
0 التعليقات: